مخزونات الغاز في ألمانيا تزيد أعباء المستهلكين.. والحكومة تتكبد خسائر مليارية
يوسف المدير
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت حكومة المستشار الألماني، أولاف شولتس، رحلة البحث عن بدائل للغاز الروسي، وبذلت جهودًا لملء مخزونات الغاز في ألمانيا.
ومنذ ذلك الوقت، تواجه الحكومة الألمانية تحديات وعراقيل في محاولة للسيطرة على الوضع، وخلال عام 2022 قدّمت الحكومة 15 مليار يورو (16.24 مليار دولار أميركي) لشركة “ترايدينغ هاب يوروب” (تي إتش إي) -التي تدير سوق الغاز في ألمانيا- لشراء الوقود للتخزين.
(اليورو = 1.09 دولارًا أميركيًا)
كما لجأت الحكومة الألمانية إلى تعديل قانون أمن الطاقة؛ حتى يمكنها فرض ضريبة الغاز على جميع المستهلكين، والتي تهدف إلى تقاسم التكاليف الإضافية بين جميع المستخدمين، ومنع إفلاس تجار الغاز.
ويلزم القانون الجديد شركة “ترايدينغ هاب يوروب” بشراء كميات غاز إضافية إلى جانب المشتريات العادية لتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
إلا أن الحكومة الألمانية باتت في مأزق حول ما ينبغي فعله بعد شراء الغاز دون تحوط وتخزينه في الصيف الماضي، وستكون لذلك عواقب ممتدة وعميقة الأثر على سوق الغاز بالجملة، وفق معلومات منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن منصة أرغوس ميديا (Argus Media) المعنية بشؤون الطاقة.
شراء الغاز بأسعار قياسية
اشترت شركة ترايدينغ هاب يوروب (تي إتش إي)، نيابة عن الحكومة الألمانية، قرابة 50 تيراواط/ساعة من الغاز، خلال الصيف الماضي، أي ما يعادل نحو 25% من سعة التخزين للبلاد.
وكان هذا الإجراء هو الملاذ الأخير بموجب التشريع الجديد الذي فرض أهدافًا إلزامية لملء مخزونات الغاز في ألمانيا، ضمن الجهود المبذولة لتعزيز الإمدادات عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتولّت شركة “ترايدينغ هاب يوروب” مسؤولية تخزين الغاز في 5 مواقع، سبق استخدام معظمها من قِبل شركة غازبروم المملوكة للدولة الروسية.
وعادة ما تضخ المرافق والتجار الغاز في الخزانات، خلال فصل الصيف، عند انخفاض الأسعار، وإعادتها إلى السوق في الشتاء عند ارتفاعها.
وخلال عام 2022، تحركت العقود في الاتجاه المعاكس، وهذا يعني أن بعض المشغلين، وخاصة في ألمانيا -أكبر مستهلك للغاز في المنطقة- قد يخسرون أموالًا عند بيع الوقود المخزن؛ لتعويض أي اضطرابات في الإمدادات.
وسُمح لشركة “ترايدينغ هاب يوروب” -المسؤولة عن مشغلي سوق الغاز في ألمانيا- بشراء الغاز من السوق الفورية فقط في ذلك الوقت.
وهذا يعني أن الدولة الألمانية اشترت الغاز عندما كانت الأسعار قياسية دون تعويضها من عمليات بيع الغاز خلال فصل الشتاء، وكان سيساعد ذلك في تحديد سعر للغاز وتفادي مخاطر انخفاض القيمة قبل السحب.
في الوقت الراهن، تمر ألمانيا والمنطقة بشتاء أكثر هدوءًا مما كان متوقعًا بفضل الطقس المعتدل، وسط تراجع الطلب على الغاز، وتوافر كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال.
وأدى انحسار المخاوف المتعلقة بالعرض إلى انخفاض أسعار الغاز منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول (2022)، على عكس الارتفاع المتتالي في الأسعار خلال فصل الصيف.
ويعني الانخفاض الأخير في الأسعار أن أي غاز ستسحبه شركة “ترايدينغ هاب يوروب” الآن ستكون قيمته أقل بكثير مما دفعته لضخه في الخزانات.
وستُنقل هذه الخسارة الضخمة إلى العملاء الألمان من خلال ضريبة تخزين الغاز.
خسائر مليارية
حققت شركة “ترايدينغ هاب يوروب” خسارة صافية تتجاوز 9.3 مليار يورو (10 مليارات دولار أميركي) من تطبيق قواعد تعبئة الغاز الإلزامية في البلاد حتى نهاية عام 2022.
ويعتقد أن شركة “ترايدينغ هاب يوروب” قد أنفقت 7.8 مليار يورو لشراء 50 تيراواط/ساعة من الغاز، بسعر 155.09 يورو/ميغاواط/ساعة من 4 يونيو/حزيران إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول (2022).
وحققت الحكومة مكاسب تصل إلى 146 مليون دولار فقط من خلال عمليات السحب في أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول (2022).
وخلال هذه المدة، وصل إجمالي سحب شركة “ترايدينغ هاب يوروب” من المواقع الـ5 إلى 2.51 تيراواط/ساعة.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- واردات ألمانيا من الغاز الطبيعي واستهلاكها:
واستنادًا إلى السعر اليومي في ألمانيا، خلال المدة من 1 إلى 12 يناير/كانون الثاني 2023، وعقود التسليم الآجلة خلال بقية الربع الأول في نهاية 11 يناير/كانون الثاني 2023؛ ففي حالة بيع شركة “ترايدينغ هاب يوروب” كل الغاز المتبقي في السوق الفورية؛ فستحصل على 3.3 مليار يورو، لكنها ستتكبد خسارة نظرية تزيد على 4.4 مليار يورو، بافتراض أنها يمكن أن تبيعه بهذا السعر.
وهذا قبل الأخذ في الحسبان أنه من خلال بيع كل الغاز المخزن في سوق لا تحتاج إليه -في ظل ارتفاع مخزونات الغاز بالمنطقة، وتراجع الاستهلاك خلال فصل الشتاء، وتوافر الإمدادات من بلدان أخرى غير روسيا- قد تدفع شركة “ترايدينغ هاب يوروب” إلى انخفاض الأسعار الفورية أكثر من ذلك.
عدم البيع من المخزون
إذا قررت الحكومة تأجيل البيع من مخزونات الغاز في ألمانيا؛ فقد يسهم ذلك في ترسيخ دورها بصفتها لاعبًا مهمًا في سوق الغاز بالجملة.
وفيما يتعلق بخططها المستقبلية، قالت شركة “ترايدينغ هاب يوروب” إن الإجراءات الاحترازية المطبّقة حتى شتاء 2024 تبدو معقولة وضرورية.
وأوضحت أنه لن تُسحَب كل مشترياتها من الغاز، وستُرَد بشكل ديناميكي على تطورات سوق الغاز بالتنسيق مع الدولة والوكالة الاتحادية للشبكات وتطويع إستراتيجية السحب إذا لزم الأمر.
وفي حالة احتفاظ الحكومة بكمية كبيرة من الغاز المخزن بعد نهاية الشتاء؛ فإنه يطرح تساؤلًا؛ هو: متى ستكون قادرة على تحرير نفسها من سوق الجملة؟
ومن خلال التراجع عن بيع الغاز المخزن، تحرم الدولة نفسها من الإيرادات على المدى القصير، وقد يقود ذلك إلى زيادة ضريبة تخزين الغاز، والمحددة عند 0.59 يورو/ميغاواط/ساعة للنصف الأول من عام 2023.