يشهد تطوير خطوط أنابيب نقل الهيدروجين زخمًا واسعًا، بقيادة أوروبا، مع سعي العالم إلى تسريع مسار اعتماد هذا الوقود النظيف، للاستفادة من مزاياه ومرونته في إزالة الكربون.
ويمكن أن تُسهم شبكة خطوط أنابيب الغاز في تسريع هذا التحول مع إمكان نقل الهيدروجين خلالها، وهو ما تخطط إليه بعض الدول العربية، مثل الجزائر والمغرب، مع السعي لاقتناص فرص تصدير إلى أوروبا، ورغم أن ذلك ممكنًا من حيث التكلفة، فإن الخصائص الفيزيائية للهيدروجين قد تعوق هذه الخطوة.
وهذا يعني أنه من بين الخيارات الممكنة -رغم أنها تستغرق وقتًا أطول- بناء مشروعات جديدة لخطوط أنابيب نقل الهيدروجين، خاصة أنها أفضل بكثير من السفن في نقل هذا الوقود النظيف عبر مسافات قصيرة إلى متوسطة المدى.
وحتى في الحالات التي يمكن فيها نقل الهيدروجين أو مشتقاته عبر السفن، فإنها تحتاج إلى خطوط الأنابيب في النهاية لتسهيل توزيعه، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويوجد حاليًا أكثر من 4 آلاف و300 كيلومتر من خطوط أنابيب نقل الهيدروجين، ويقع 90% منها في أوروبا وأميركا الشمالية؛ فهي تُستعمل لتزويد المنشآت الصناعية، مثل مصانع البتروكيماويات، وفق تقرير حديث صادر عن شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي.
ومع تحول الطاقة وتزايد الطلب على الهيدروجين، سيكون بناء خطوط أنابيب طويلة وذات أقطار أكبر وضغط أعلى ضروريًا للغاية، وهو ما تسعى إليه عدّة دول حاليًا في مقدّمتها أوروبا، إذ تقود جهود إنتاج واستيراد الهيدروجين الأخضر، وتعمل على بناء البنية التحتية اللازمة لنقله إلى مراكز الطلب.
خطوط أنابيب نقل الهيدروجين في أوروبا
بقيادة أوروبا، هناك 91 مشروعًا مخططًا لخطوط أنابيب نقل الهيدروجين حول العالم، بإجمالي 30 ألفًا و300 كيلومتر، ومن المقرر بدء تشغيل هذه المشروعات بحلول عام 2035، وفق ريستاد إنرجي.
ويُعدّ الهيدروجين ركيزة أساسية في خطط الاتحاد الأوروبي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، ويلقى دعمًا إضافيًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عبر خطة “ريباور إي يو”، التي تهدف إلى التخلّص التدريجي من واردات الوقود الأحفوري الروسي.
وبموجب هذه الخطة، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، مع استيراد 10 ملايين أخرى في الإطار الزمني نفسه، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وبالنظر إلى مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر المقترحة في الاتحاد الأوروبي، يوجد حاليًا 7.9 مليون طن، يُتوقع بدء التشغيل بحلول عام 2030، مع إمدادات تصل مليون طن من بقية أوروبا (المملكة المتحدة والنرويج)، إلى جانب مليون طن آخر في الشرق الأوسط بهدف التصدير إلى القارة العجوز.
فضلًا عن ذلك، هناك 3.4 مليون طن من المشروعات المقترحة في أفريقيا، التي يمكن أن تزود أوروبا بكميات كبيرة من الهيدروجين، سواءً عن طريق السفن أو خطوط الأنابيب.
وتلبيةً لمشروعات الإمدادات المقترحة، من المتوقع أن يبلغ طول خطوط أنابيب نقل الهيدروجين 28 ألف كيلومتر بحلول عام 2030، و53 ألف كيلومتر عام 2040 في 28 دول أوروبية، وفق مبادرة تهدف إلى بناء عمود فقري للهيدروجين في أوروبا، وهي مجموعة تضم 31 مشغلًا أوروبيًا لأنظمة نقل الغاز.
وحتى الآن، تصل خطوط الأنابيب، التي ستكون متاحة لنقل الهيدروجين بحلول عام 2030، إلى 23 ألف و365 كيلومترًا، وهو ما يمثّل 83% من الهدف المخطط.
الدول الأوروبية الرائدة في خطوط الهيدروجين
تُعدّ إسبانيا وفرنسا وألمانيا أبرز الدول التي تخطط لإنشاء خطوط أنابيب نقل الهيدروجين عبر الحدود، في حين إن المملكة المتحدة بشبكتها الواسعة من خطوط الغاز تجد نفسها في وضع جيد للتحول من الغاز الطبيعي إلى الهيدروجين.
ومن أبرز مشروعات خطوط أنابيب نقل الهيدروجين المعلنة مؤخرًا، مشروع خط أنابيب بين برشلونة ومارسيليا، الذي سيربط إسبانيا والبرتغال وفرنسا وألمانيا، بتكلفة 2.1 مليار دولار على امتداد 450 كيلومترًا.
ويُعرف هذا الخط باسم “إتش 2 ميد” أو “هيدروجين المتوسط”، ومن المتوقع أن تصل سعته في نقل الهيدروجين إلى مليوني طن متري سنويًا بحلول عام 2030، وفقًا لتقديرات الحكومة الإسبانية.
كما تُطور ألمانيا مشروعًا آخر يمتد لأكثر من 400 كيلومتر، لنقل الهيدروجين الأخضر من مزارع الرياح البحرية في بحر الشمال إلى ألمانيا.
بينما بدأت اليونان بناء خط أنابيب مقدونيا الغربية في وقت سابق من 2023، وهو خط أنابيب غاز جديد مصمم ليكون قادرًا على نقل الهيدروجين بنسبة 100% في مرحلة لاحقة.
وبصفة عامة، يمكن أن تشهد أوروبا إعادة استعمال 60% من خطوط أنابيب الغاز الجديدة في نقل الهيدروجين بحلول 2040، بالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك حاجة إلى خطوط أنابيب بناء جديدة، ولكنها قد تواجه مجموعة من العقبات المتعلقة بحركة المرور وحماية البيئة، خاصةً إذا كانت تمتد لمسافات طويلة، وتمر عبر مناطق سكنية، وفق ما نقلته ريستاد إنرجي.
نقل الهيدروجين في خطوط الغاز
بحسب ريستاد إنرجي، تُقدّر الدراسات أن الاعتماد على خطوط أنابيب الغاز الحالية في نقل الهيدروجين أكثر فاعلية من حيث التكلفة بمقدار 4 مرات، مقارنة بإنشاء خطوط أنابيب جديدة.
بينما ترى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) أن التكلفة الاستثمارية لخطّ الأنابيب القائم أقلّ بنسبة تتراوح بين 65% و94% من بناء خط جديد، بما في ذلك تسعير مخاطر أن يصبح من الأصول العالقة.
ومن حيث التكاليف التشغيلية، لا توجد سوى اختلافات محدودة بين خطوط أنابيب نقل الهيدروجين الجديدة، وخطوط أنابيب الغاز القائمة المعاد توجيهها لنقل الوقود النظيف.