تركيا تخوض انتخابات حاسمة تضعها أمام طريقين مختلفين
khabaralaan
أدلى الأتراك الأحد بأصواتهم في واحدة من أكثر الانتخابات أهمية في تاريخ تركيا الحديث الممتد على مدار مئة عام، والتي ستحدد ما إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان سيواصل حكمه الذي بدأه قبل عقدين.
وستقرر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ليس فقط من سيقود تركيا -العضو في حلف شمال الأطلسي والتي يصل عدد سكانها إلى 85 مليون نسمة- وإنما ستحدد أيضا أسلوب حكمها والاتجاه الذي سيمضي إليه الاقتصاد وسط أزمة غلاء محتدمة فضلا عن شكل سياستها الخارجية.
مراقبة خارجية
تظهر استطلاعات الرأي تقدما بفارق ضئيل لكمال قليجدار أوغلو منافس أردوغان الرئيسي الذي يقود تحالفا من ستة أحزاب معارضة.
وأظهر استطلاعان للرأي نشرا الجمعة أن نسبة تأييده تتجاوز مستوى 50 في المئة اللازم لتحقيق فوز صريح. وإذا ما لم يتمكن أي منهما من الحصول على أكثر من 50 في المئة من الأصوات فستُجرى جولة إعادة في 28 مايو الجاري.
ويحق لما يقرب من 61 مليون شخص التصويت في الانتخابات، بما في ذلك ما يقرب من 5 ملايين ناخب لأول مرة. وصوت الأتراك في الخارج بالفعل. وأدلى الناخبون الأتراك بأصواتهم منذ الثامنة صباح الأحد حتى الخامسة مساء من اليوم نفسه، عبر 191 ألفا و884 صندوق اقتراع في 973 قضاء بعموم البلاد. كما أدلى 3 ملايين و416 ألفا و98 ناخبا من المغتربين الأتراك بأصواتهم في الممثليات الخارجية لدى 73 دولة، والتي انتهى التصويت فيها يوم التاسع من مايو الجاري.
ويُراقب التصويت عن كثب من خارج تركيا، حيث تم إرسال العديد من المراقبين الأجانب بالفعل إلى تركيا. وقال أحمد كالكان (64 عاما) لدى إدلائه بصوته لصالح كمال قليجدار أوغلو في إسطنبول “أرى أن هذه الانتخابات فرصة للاختيار بين
الديمقراطية والدكتاتورية”، مرددا وجهة نظر المعارضين الذين يخشون أن تزداد سلطوية أردوغان في الحكم إذا ما فاز. وأضاف كالكان، وهو موظف متقاعد بقطاع الصحة “أختار الديمقراطية وآمل أن تختار بلدي الديمقراطية”.
ويقول أردوغان السياسي المخضرم البالغ من العمر 69 عاما والذي فاز بالعديد من الانتخابات في السابق، إنه يحترم الديمقراطية وينفي أي نزوع للحكم السلطوي. وفي مؤشر على أن أردوغان لا يزال يتمتع
بقدر من الشعبية، قال محمد عاكف كهرمان الذي أدلى بصوته في إسطنبول أيضا إن الرئيس ما زال يمثل المستقبل حتى بعد عشرين عاما في السلطة. وأضاف “ستكون تركيا دولة رائدة عالميا”.
وتجري الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من زلازل مدمرة ضربت جنوب شرق تركيا وأودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص. وقد عبر كثيرون في الأقاليم المتضررة عن غضبهم من البطء الذي اتسم به تعامل الحكومة مع الكارثة في بدايتها، إلا أنه لا يوجد دليل يذكر على أن الكارثة أثرت على اتجاهات تصويت الناخبين.
وصافح أردوغان مسؤولي الانتخابات لدى إدلائه بصوته في إسطنبول وتحدث مع مراسل لمحطة تلفزيونية في مركز الاقتراع.
وأدلى قليجدار أوغلو (74 عاما) بصوته في أنقرة وعلت وجهه ابتسامة وسط تصفيق الحشود المنتظرة لدى خروجه من مركز الاقتراع. وقال لوسائل الإعلام “أعبر عن حبي العميق واحترامي لكل المواطنين الذين يذهبون إلى صندوق الاقتراع ويدلون بأصواتهم. جميعنا نفتقد الديمقراطية كثيرا”.
التغيير أو الاستمرار
بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية فإن السباق متقارب بين تحالف الشعب المكون من حزب العدالة والتنمية المحافظ ذي التوجهات الإسلامية بزعامة أردوغان وحزب الحركة القومية القومي وغيرهما، وبين تحالف الأمة بقيادة قليجدار أوغلو المؤلف من ستة أحزاب معارضة من بينها حزبه الشعب الجمهوري العلماني الذي أسسه مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك.
وقال البعض في ديار بكر، وهي مدينة في الجنوب الشرقي الذي تقطنه أغلبية كردية، إن الوقت قد حان للتغيير بينما أبدى آخرون تأييدهم لأردوغان. واصطفت طوابير في مراكز الاقتراع في المدينة بينما انتشر حوالي 9 آلاف شرطي في أنحاء الإقليم.
وسيكون للناخبين الأكراد الذين يمثلون ما يتراوح بين 15 و20 في المئة من إجمالي الناخبين، دور محوري في هذه الانتخابات، ومن المستبعد أن يحصل تحالف الأمة منفردا على أغلبية برلمانية.
وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد ليس جزءا من تحالف المعارضة الرئيسي، لكنه يعارض أردوغان بشدة على خلفية حملة القمع التي استهدفت أعضاءه في السنوات الماضية.
وأعلن حزب الشعوب دعمه لقليجدار أوغلو في السباق الرئاسي.
ويخوض الحزب الانتخابات البرلمانية تحت راية حزب اليسار الأخضر للتحايل على دعوى قضائية تهدف إلى حظره لاتهامه بأنه على صلة بالمسلحين الأكراد، وهو ما ينفيه الحزب.
وأردوغان خطيب مفوه ومخضرم في قيادة الحملات الانتخابية والفوز بها، وقد بذل قصارى جهده خلال حملته الانتخابية. ويحظى الرجل بولاء مطلق من الأتراك المتدينين الذين كانوا يشعرون في الماضي بأن تركيا العلمانية سلبتهم حقوقهم. وسبق أن تغلب على محاولة انقلاب في 2016 واجتاز العديد من فضائح الفساد.
لكن إذا أطاح الأتراك بأردوغان فسيكون هذا إلى حد كبير نتيجة شعورهم بتبدل أوضاعهم الاقتصادية وتراجع قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية في ظل تضخم تجاوز 85 في المئة في أكتوبر العام الماضي وانهيار الليرة.
على الجانب الآخر، تعهد قليجدار أوغلو بالعودة في حال فوزه إلى السياسات الاقتصادية التقليدية والابتعاد عن سياسات أردوغان.
كما قال قليجدار أوغلو إنه سيسعى لإعادة البلاد إلى نظام الحكم البرلماني، وإلغاء النظام الرئاسي التنفيذي الذي اقتنص أردوغان الموافقة عليه عبر استفتاء عام 2017. كما وعد باستعادة استقلال القضاء الذي يقول المنتقدون إن أردوغان استغله لقمع معارضيه.
وخلال سنوات حكمه الطويلة أحكم أردوغان قبضته على معظم المؤسسات التركية وهمش الليبراليين والمعارضين. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي لعام 2022 إن حكومة أردوغان أعادت سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان عقودا للوراء.