العنف في فرنسا.. قراءة سريعة

الإتحاد الإماراتية

ما يحدث في فرنسا، حدث قبل ذلك فيها وفي جوارها البلجيكي أيضاً. واللافت أن هذا العنف بهذه الحدة لا يحدث غالباً في دول أوروبية أخرى.. قد تكون هناك جيوب صغيرة لكنها ليست بضخامة ما يحدث في فرنسا وبلجيكا.
ولعل السبب أن فكرة الاندماج في كل من فرنسا وبلجيكا تسير في طريق باتجاه واحد فقط. والاندماج الاجتماعي هو طريق في اتجاهين، وليس عقد إذعان يخضع فيه طرف لشروط الطرف الآخر.
في باريس، هناك أحياء للمهاجرين العرب (خصوصاً من شمال أفريقيا) متاخمة لأحياء شبه مخصصة للمهاجرين من أفريقيا، كما في بروكسل حيث ذات التقسيم الديموغرافي القديم الذي يعود تاريخه إلى حقبة الاستعمار وجلب العمالة الرخيصة مقابل خروج آمن من المستعمرات البائسة حينها. منذ ذلك الوقت، لم يتم الالتفات إلى تلك الأحياء، بل تم نبذها واعتبارها حلا نهائياً يتم فيه عزل القادمين الجدد عن سكان المدن الأصليين.
وهو الأمر الذي جعل تلك الأحياء تنمو وتكبر في ظل الإهمال والغطرسة والانعزال. حين برز مفهوم &”الاندماج الاجتماعي&” لم يفكر أحد في فلسفة الهندسة الاجتماعية للمدن بتفكيك تلك الأحياء بذكاء والمبادرة إلى دمجها بباقي الأحياء والمناطق التي كانت تزدهر وتتطور، فانتهينا إلى غيتوهات بشرية مليئة بالفقر والغضب والتطرف، وهذا مزيج يصبح أكثر خطورةً أمام زيادة عالية في المواليد الذين ستكتظ بها تلك الأحياء وقد أصبحوا مراهقين ثم شباناً.
شخصياً، منذ بداية هجرتي قبل عقد من الزمان وأكثر قليلا، خضتُ برامج الحكومة البلجيكية في الاندماج الاجتماعي، وأُقِر أنها كانت مدهشةً وتنويريةً ومعرفيةً في فهم معنى المواطنة الحقيقية التي كنت أجهلها ولا أعرف عنها إلا ما تيسر في الكتب، وقد تطلَّب ذلك أيضاً من طرفي، أنا وأسرتي، جهداً مضاعفاً لهضم هذه البرامج وتطبيقها، لاسيما في أساسها الفلسفي وهو معرفة الحقوق التي لنا والواجبات التي علينا ضمن إطار محدد وواضح هو المواطنة وحدودها التي تحميها القوانين والدستور. التعددية ضرورة لتغذية تلك المجتمعات واستمرار ازدهارها، بمعنى أنه ليس مطلوباً أن تذوب في الثقافة الحاضنة الجديدة، ولا أن تذيب هذه الثقافة الحاضنة في ثقافاتك كمهاجر.
ما يحدث على أرض الواقع غالباً مختلف، خصوصا في العواصم الكبرى مثل باريس وبروكسل، وبوجود أحياء &”معزولة&” ومكتظة، وتنمو بتسارع ديموغرافي مرعب، فإن المعادلة تختل لتصبح تلك الأحياء جبهات مواجهة وحدودها مع باقي المدينة خطوط تماس ساخنة. فكرة الاندماج الاجتماعي هي طريق في اتجاهين السرعة فيه لا تتجاوز الحد المطلوب في نضج التجربة، ولا تكون أبطأ من اللازم في تنمية تلك الأحياء ومجتمعاتها حتى لا ينمو القهر والغضب.
أخطر ما يواجه تلك الجيوب السكانية هو أن يتسلل التطرف الديني عبر ثغراتها الواسعة، وهي بيئة خصبة للتطرف وقواه الظلامية الباحثة عن مواطن لها كي تنتشر، وانتشارها سهل في أحياء تعيش ظروف فقر وفاقة، إذ يقدمون لها وعود الجنة التي يحلم بها الجميع. القصة لا يمكن حلها بسرعة، وهي تحصيل حاصل في فرنسا لما تم تأجيله منذ زمن طويل من حلول جذرية يدرك فيها الجميع أن العيش مشترك وأن الدولة العصرية مظلة يعيش تحتها الجميع متساوياً بلا استثناء.

Exit mobile version