مقالات

الهجرة واللجوء ـ ما تداعياتها على أمن بلجيكا وهولندا؟

تظل أزمة اللجوء والهجرة معضلة أمام الاتحاد الأوروبي، في ظل تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين نتيجة الصراعات المسلحة والأزمات البيئية حول العالم، لذا تتصدر هذه القضية أولويات دول أوروبا وفي مقدمتها بلجيكا وهولندا، خاصة وأن ظروف الدولتين تتشابه في تدفق أعداد المهاجرين خلال الثلاث أعوام الأخيرة، وطبيعة الإجراءات التي تتخذها الحكومتان للتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية، نظراً لتخوف البلدين من تداعيات موجات اللجوء والهجرة على أمنهما المجتمعي.

بلجيكا ـ الهجرة واللجوء

أعداد اللاجئين والمهاجرين

يُعد عام 2022 عاماً قياسياً في أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين قدموا إلى بلجيكا. وأشارت وزيرة الدولة لشؤون الهجرة واللجوء البلجيكية نيكول دي مور، في 23 يناير 2023، إلى وصول أكثر من (100) ألف مهاجر إلى بلجيكا، وسجلت نحو (37) ألف طلب لجوء من جنسيات مختلفة بزيادة تقدر بـ (42%) مقارنة بعام 2021، وقدوم نحو (63) ألف نازح أوكراني.

قدم أكثر من (3500) مهاجر قاصر دون ذويهم، من بينهم (600) قاصر أوكراني، ما يمثل زيادة (12.3%) مقارنة بعام 2021، وتم إضافة (546) مركز إيواء للقصر، لتصل عدد أماكن الإيواء المخصصة للقصر حوالي (3251) مركزاً.

كشف تدفق أعداد كبيرة من النازحين القصر وجود ثغرات في نظام استقبال المهاجرين، لنقص أعداد “الأوصياء ” الأشخاص المسؤولين عن متابعة القاصر والإجراءات الإدارية مع الدولة، لذا أصبح (900) قاصر عالقاً في انتظار توفير أوصياء خلال 2022.

موقف الحكومة ـ الهجرة واللجوء

منحت السلطات البلجيكية حق الحماية الدولية لحوالي (20) ألف شخص، أغلبهم قادمين من أفغانستان وسوريا وأريتريا وفلسطين في 2022.

حذرت وزيرة الدولة لشؤون الهجرة واللجوء البلجيكية نيكول دي مور من تداعيات موجات النزوح القادمة لبلادها، مطالبة بإجراء إصلاحات في قوانين اللجوء والهجرة، بعد إعلان الوكالة الفيدرالية لاستقبال طالبي اللجوء ” فيدازيل” مواجهة أزمة في استقبال جميع طلبات اللجوء، حيث تستوعب مراكز الإيواء نحو (32) ألف شخص فقط، ما أجبر المئات من طالبي اللجوء للنوم في الشوارع.

يعود سبب نقص مراكز الإيواء، لاستضافتها طالبي لجوء منذ عام ونصف وصعوبة استقبال وافدين جدد، الأمر الذي دفع السلطات للتأكيد على الشروع في إنشاء (2000) مكان إيواء جديد خلال 2023.

قامت السلطات البلجيكية في 15 فبراير 2023، بإخلاء مركز وصول وسط بروكسل بعد زيادة أعداد اللاجئين فيه من (30) إلى (150) شخص.

أعلنت بلجيكا في 26 أبريل 2023، مضاعفة عمليات الترحيل القسري خلال الربع الأول من 2023، ورحلت (959) شخصاً كانوا يقيمون بشكل غير قانوني.

رصدت السلطات في 3 يوليو 2023، وجود (3000) لاجئ ومهاجر يقيمون في شوارع بروكسل، قادمين من سوريا وأفغانستان وأفريقيا جنوب الصحراء، في انتظار الدخول في نظام طالبي اللجوء واستضافتهم في مراكز الإيواء.

انتقادات لسياسات الحكومة ـ الهجرة واللجوء

وجهت منظمات غير حكومية انتقادات لتعامل بلجيكا مع اللاجئين الأوكرانيين وباقي اللاجئين، حيث طبقت بروكسل قانون الحماية المؤقتة في استقبال نازحين أوكرانيا، وهو التطبيق الأول للقانون الصادر في 2001.

اتهمت المنظمات السلطات البلجيكية بإهمال أزمات لجوء وهجرة سابقة، منتقدة بقاء بعض اللاجئين في الشوارع، رغم وجود حلول بديلة في القانون البلجيكي وفقاً لتصريحاتها. وقد بررت الحكومة البلجيكية في 20 مارس 2022، الأمر بعدم توافر مراكز استقبال كافية لإيوائهم، وانتهاء مدة إقامة بعض اللاجئين وتصاريح العمل الممنوحة لهم، ما يعني عدم قانونية بقائهم في البلاد.

أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بلجيكا في 24 مايو 2023، بعد رفع لاجئ غيني شكوى لعدم منحه مسكناً وفقاً لقرار محكمة العمل الفرنكوفونية في بروكسل لعام 2022، وتم تقديم (1100) إدانة لبلجيكا بشأن تقصيرها في استقبال طالبي اللجوء. ورداً على هذه الانتقادات أرجعت بلجيكا السبب إلى التدفق غير المسبوق للمهاجرين والصعوبات في فتح مراكز استقبال جديدة واندلاع الحرب الأوكرانية.

تدابير حكومية ـ الهجرة واللجوء

اقترحت وزيرة الدولة لشؤون الهجرة واللجوء البلجيكية نيكول دي مور، إصلاح الخدمات المخصصة لطالبي اللجوء، بدمج خدمات الهجرة الثلاث “Fedasil  وOE وCGRS”، وسياسة أفضل لإدارة الحدود وتوزيع عادل للاجئين، خاصة وأن بلجيكا تتلقي أكبر عدد من اللاجئين مقارنة بعدد سكانها. وبزيادة أعداد اللاجئين في الربع الأول من 2023، أكدت دي مور أنها تعمل على تعزيز الإطار القانوني والعمل على اتفاقيات مع الدول الأصلية للمهاجرين.

قدمت بروكسل في 9 مارس 2023  قانوناً جديداً لتحرير مساحة في مراكز اللجوء ومعالجة قضية طلبات اللجوء المرفوضة، بمنحهم فرصة مغادرة البلد طواعية، في حالة الرفض يتم تعيين موظف مرافق لهم للخارج حتى يمكن مراقبتهم. ينص القانون الجديد على زيادة الإعانات وتحسين مبادرات استقبال اللاجئين، وإنشاء وحدات سكنية لاستيعاب (700) شخص بمساعدة القروض الأوروبية، ويستهدف أن يتم استقبال جميع القادمين قبل شتاء 2023- 2024.

تتضمن الإجراءات تسريع عمليات الترحيل القسري، وزيادة المراقبين مع موظفين مكتب الهجرة وموظفي شرطة ” فرونتكس”، مع اتخاذ تدابير لم شمل الأسرة وحظر حبس الأطفال في المراكز المغلقة وتحسين أوضاع المهاجرات ضحايا العنف المنزلي، وتشديد تطبيق نظام ” دبلن” لضمان عودة مقدم الطلب إلى الدولة العضو بالاتحاد الأوروبي التي وصل من خلالها، ورفض طلبات اللجوء في غضون 30 يوماً.

ركزت دي مور خلال مناقشة الاتفاقية المبرمة بين دول الاتحاد الأوروبي في يونيو 2023، على أهمية تطبيق التوزيع العادل لطالبي اللجوء بين دول التكتل واتخاذ إجراءات سريعة على الحدود.

هولندا ـ الهجرة واللجوء

أعداد اللاجئين والمهاجرين

قدرت السلطات الهولندية في 20 يناير 2023 وجود حوالي (220) ألف طالب لجوء ومهاجر يقيمون في مساكن مؤقتة، حيث توافدت أغلب هذه الأعداد منذ مطلع 2022 واستقبلت هولندا حوالي (47) ألف طالب لجوء العام الماضي، من بينهم (25) ألف لاجئ أوكراني.

تسببت الهجرة الوافدة إلى هولندا في زيادة عدد سكانها، وأشارت هيئة الإحصاء الهولندية ” CBS” في 8 يونيو 2023 إلى زيادة سكان هولندا في الربع الأول من 2023 بمقدار نحو (27) ألف و(500) شخص، لذا من المتوقع أن يصل عدد سكان هولندا إلى (20) مليون شخص بحلول 2056.

انتقادات لسياسات الحكومة ـ الهجرة واللجوء

رصدت السلطات الهولندية في 29 يناير 2022، وجود نحو (3000) مهاجر وطالب لجوء بلا مأوى أو في أماكن إقامة مؤقتة، ما تسبب في ظهور حالات إصابة بأمراض معدية بين المهاجرين في الشوارع. ولاحقاً، أعلنت هولندا في 26 أغسطس 2022، وفاة رضيع في صالة مخصصة لاستقبال طالبي اللجوء بمركز ” تير أبيل” ويتواجد نحو (700) شخص في الشوارع بالقرب من هذا المركز.

أثارت الواقعتان انتقادات المنظمات الإنسانية الدولية ومجلس اللاجئين الهولندي، لاضطراب نظام الاستقبال الهولندي ونقص مراكز الإيواء المخصصة لاستيعاب طالبي اللجوء، الأمر الذي دفع السلطات الهولندية لزيادة الخدمات المحيطة بمراكز الإيواء والتي يستفيد منها المقيمون خارجه.

أبدى رئيس الوزراء الهولندي مارك روته أسفه للتعامل الخاطئ مع ملف الهجرة، وسارع ملك هولندا فيليم ألكسندر بزيارة مركز الإيواء في 3 سبتمبر 2022، للقاء بعض قاطنين المركز والعاملين به للتعرف على المشكلات التي تواجههم.

تدابير حكومية ـ الهجرة واللجوء

أجلت الحكومة الهولندية (700) شخص من أمام مركز ” تير أبيل” في 29 أغسطس 2022. كما وأعلنت عن فتح مركز تسجيل جديد في قاعدة عسكرية قريبة من مراكز الإيواء، وتقييد عدد المهاجرين الذين يصلوا البلاد.

أعلن وزير الدولة الهولندي لشؤون اللجوء إريك فان في 2 يوليو 2023، خطة لإيواء المهاجرين على متن سفن سياحية، وتحديد سقف للاجئي الحرب التي يمكن أن تستقبلهم هولندا بنحو (200) لاجئ شهرياً. ملف: الاتحاد الأوروبي ـ ميثاق الهجرة الجديد والإصلاحات

كيف تنظر الدولتان للهجرة غير الشرعية؟

تنظر بلجيكا وهولندا إلى الهجرة غير الشرعية بمثابة تهديد لأمنهما القومي، خاصة مع تصاعد اليمين المتطرف في بعض بلدان أوروبا، وتنامي الرفض المجتمعي لموجات اللجوء الأخيرة، ما جعل ملف الهجرة ورقة ضغط في يد بعض الأحزاب السياسية اليمنية، ودفع بعض الأحزاب التقليدية إلى تبني مواقف متقاربة مع موقف الأحزاب اليمينية، خاصة بعد سقوط الحكومة الهولندية إثر خلافات حول الهجرة.

تقييم وقراءة مستقبلية

– يعد ملف اللجوء والهجرة قضية شائكة أمام بلجيكا وهولندا بعد استقبالهما لأعداد غير مسبوقة العام الماضي، ومن ثم أصبحت الحكومتان في مأزق أمام المنظمات الحقوقية اعتراضاً على بعض سياساتهما بشأن الهجرة من جانب، والأحزاب اليمنية المتطرفة لرفضها استقبال لاجئين من جانب آخر، لذا تصبح القوانين والإجراءات المقترحة من جانب البلدين معلقة لتباين الآراء بشأن حل الأزمة.

– دور بلجيكا في التكتل الأوروبي يلزمها بضرورة تحقيق التوازن في التعاطي مع ملف الهجرة واللجوء، خاصة وأنها تعد من الدول الأكثر استقبالاً للمهاجرين الفترة الأخيرة، ما يلزمها بسن قوانين تضمن حماية حدودها وأمنها القومي، وتحافظ على حقوق اللاجئين الوافدين لها.

– بات من المتوقع أن تشهد هولندا مزيداً من الإجراءات الأمنية المشددة ضد اللاجئين، بعد أن تسببت الهجرة في انهيار الحكومة الهولندية لاستمرار الخلافات داخل الائتلاف الحاكم بشأن الحلول المقدمة للتعامل مع أزمة المهاجرين على أراضيها.

– الأزمة الاقتصادية الراهنة قد تعرقل مسألة توظيف موظفين جدد لمرافقة اللاجئين  القصر في بلجيكا، وتأسيس مراكز إيواء جديدة ومنح الحماية المؤقتة لطالبي اللجوء في هولندا وبلجيكا.

– قضية الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي معقدة، نظراً لتشابك الأزمة مع أكثر من دول بالاتحاد، ورفض بعض الدول مثل بلجيكا تحملها لضغوط غير متناسبة مع عدد سكانها مقارنة ببعض جيرانها الأوروبيين، لذا تستمر حالة الانقسام بين دول التكتل المرحلة المقبلة.

– تصبح حماية الحدود من تدفق الهجرة غير الشرعية التي تم تناولها في مؤتمر روما الأخير حول الهجرة، بجانب التعاون مع دول عبور اللاجئين، نقطة مفصلية في تقليل أعداد الوافدين إلى أوروبا وتحديداً بلجيكا وهولندا.

– ينبغي على بلجيكا وهولندا تحسين أوضاع المهاجرين واللاجئين المتواجدين على أراضيهما، وتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية وإنشاء مراكز إيواء جديدة، والإسراع في البت في طلبات اللجوء وتخصيص جزء من ميزانيتهما لهذه الإجراءات.

– ينبغي على دول التكتل الأوروبي بقيادة بروكسل، تقديم حلول جذرية للتصدي لحالات النزوح غير المسبوقة في العالم، بإقامة مشروعات تنموية وإنسانية في الدول الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط وأفغانستان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى